

بالأرقام… ما هي دوافع المملكة العربية السعودية للتوجّه نحو صناعة السيارات الكهربائية؟
هيثم حنجل، المدير التنفيذي لقطاع الاستراتيجية والمبادرات
يسألني كثيرون، بصفتي مسؤول الاستراتيجية في سير، أول علامة تجارية سعودية للسيارات الكهربائية، حول الدوافع التي تقف خلف توجّه المملكة العربية السعودية نحو إنشاء صناعة للسيارات، ثم يطرحون السؤال الأدق: “لماذا السيارات الكهربائية؟”. لذلك ارتأيت أن أوضّح المنطق الذي ألمسه وراء هذه القرارات، وما الذي تعنيه للمملكة ولعموم المنطقة.
لنبدأ أولًا من المنطلَقات؛ إذ لطالما سعت المملكة إلى تنويع اقتصادها وتعميق حضور قطاعاتها الصناعية، فكانت صناعة السيارات إحدى الصناعات التي أطالت الحكومة السعودية البحث فيها ودرستها بتمعّن. ولعلّ الكثير منا يتذكّر الجهود التي بُذلت على مدار العقدين الماضيين لجذب الشركات العالمية لإنشاء مصانع لتجميع منتجاتها داخل المملكة. وقد تكررت هذه الجهود لتلبية الرغبة في خلق صناعة للسيارات في المملكة. لقد تحدّث ولي العهد السعودي في عام 2017 عن رغبته في رؤية سيارات تحمل شعار “صُنع في السعودية” وتسير في طرقات المملكة وشوارعها.

وإذا ما نظرنا إلى الأرقام، نجد أن هذا النهج منطقي، فالمملكة العربية السعودية هي أكبر مشترٍ للسيارات في المنطقة، إذ زادت المبيعات فيها على 630 ألف سيارة في عام 2022، وفقًا لبيانات مجلس الشرق الأوسط للسيارات. وثمّة عدّة أسباب تدفع لتوقّع حدوث نموّ سريع في سوق السيارات السعودية خلال العقد القادم، من أبرزها النموّ السكاني السريع، إذ تشير التقديرات إلى أن عدد سكان المملكة سوف يرتفع ليلامس 40 مليون شخص تقريبًا بحلول العام 2030، وفقًا لتقرير شركة “يورومونيتر”، ستكون شريحة واسعة منهم من الشباب. ثم هناك الزيادة في عدد السيدات اللواتي بدأنَ في قيادة سياراتهنّ في أعقاب التغيير الذي حصل في التشريعات في عام 2018 والذي منحهنّ الحق في الحصول على رخصة القيادة.
لكن المملكة، مع ذلك، ما زالت تستورد كل سيارة تسير على طرقاتها!
طارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لشركة نومورا لإدارة الأصول في الشرق الأوسط، ذكر في حديثه لصحيفة “فايننشال تايمز” ، إن قطاع النقل “يمثل نحو 15 في المئة من فاتورة الواردات السعودية”، واصفًا إياه بـ “أكبر قطاع مستهلك للعملة الأجنبية في البلاد”.
إن بناء قطاع محلي لصناعة السيارات، يجعلنا نساهم في تحقيق عدد من أهداف رؤية السعودية 2030 واستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة 2021-2025. أولها إحداث تأثير ملموس في التنويع الاقتصادي، فقد أظهرت أبحاث أجرتها شركة أبحاث السوق “كيرني” أن صناعة السيارات تساهم بنسبة قدرها ثلاثة في المئة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي نسبة تزيد في الأسواق الناشئة كالصين والهند. الهدف الثاني يتمثل في أن صناعة السيارات سوف تخلق وظائف عالية القيمة؛ إذ يُتوقع أن يخلق قطاع صناعة السيارات الناشئ في المملكة عشرات الآلاف من الوظائف المباشرة وغير المباشرة والوظائف الناتجة في القطاعات الأخرى عن هذا القطاع، لا سيما في مجالات التقنيات المتقدمة كالروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة-4.0-. أما الهدف الثالث فيعيدنا إلى حديث طارق فضل الله في فايننشال تايمز، فالتقديرات تشير إلى أن السيارات المرتقب أن تنتجها شركة سير، سوف تقلل من فاتورة الواردات بمليارات الدولارات عندما يشتري المستهلكون السيارات “المصنوعة في السعودية” بدلًا من نظيراتها المستوردة.
ثمّة منافع أخرى يُنتظر أن تعود على المملكة العربية السعودية والمنطقة من صناعة السيارات الكهربائية، كالحدّ من انبعاثات الكربون في الطرقات (تقول الأمم المتحدة إن وسائل النقل البري شكلت 15 في المئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم في 2020)، ما سينعكس ايجابيًا على جودة الحياة، ويساهم مساهمة واضحة في تحقيق الهدف الطموح المتمثل بوصول المملكة إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060، فيما سنحقق طُموحًا آخر لطالما لازم آمال الناس وأحلامهم، وهو صناعة السيارات وإنتاجها في المملكة العربية السعودية، ما سيكون مصدر فخر واعتزاز للملايين.
كان هذا جوابي عن السؤال الأول، أما السؤال الآخر “لماذا السيارات الكهربائية؟” فترقّبوا جوابي عنه قريبا بإذن الله.